الواقع الممتد - (Extended Reality): أمل البشرية في الواقع الخطير!

الواقع الممتد - (Extended Reality): أمل البشرية في الواقع الخطير!

في اقتباس لكاتب وشاعر أمريكي من القرن العشرين، يقول فيه: " البشرية لا يمكنها تحمل الواقع كثيراً. فهل سيكون من الأسهل تحمل واقع ممتد بمخاطره العالية ومكافآته المحتملة؟". إذا أمعنّا في  قراءة الاقتباس؛ سنجد أن هذا الكاتب قد وجد لنا حلاً مناسباً للواقع بدعمه من قبل واقع ممتد او افتراضي وقبل عقود من تطويره واكتشافه بالمعنى الحرفي! ورغم أن قصد الكاتب قد يكون فلسفياً أكثر من كونه علمياً، إلا أنه ألهم الكثير من العلماء للسعي وراء اكتشاف آفاق الواقع الممتد بأشكاله وأنواعه.

 

لقد وصل تطوير واستخدام الواقع الممتد ، أو XR - وهو مصطلح شامل يشمل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR ) والتقنيات الأخرى التي تساهم في إلغاء الخط الفاصل بين العالم الحقيقي والعوالم المحاكية له او بشكل أدق؛ تقليصه. ورغم أن هذه التقنيات تستخدم حالياً وبشكل محدود كأدوات للألعاب الإلكترونية وغيرها من أشكال الترفيه؛ إلا أن استخدامها في مجال الترفيه قد يكون مجرد تجارب عملية لاختبار حدود وآفاق وإمكانيات هذه التقنيات ودعمها مادياً ليتمكن العلماء من العمل على إيجاد حلول وتطبيقات لها قد تكون أكثر أهمية من مجرد عنصر من عناصر الترفيه المنزلي أو غيره!

 

 يتوجه حالياً الاستثمار في الواقع الممتد نحو مجموعة واسعة من الابتكارات ، مثل القدرة على إجراء الجراحة والتدريب عن بعد ، والتطبيقات التي من شأنها زيادة الإنتاجية في المصانع. 

 

دعونا نفترض أننا يمكننا كبشر وعلماء وقطاع صحي أن نستفيد من الامكانيات والحرية التي يمنحها الواقع الممتد، في ايجاد علاج ولقاح لفيروس كورونا المستجد (Covid-19)! فمن الأسباب الجوهرية وراء  أن اللقاح يأخذ فترة طويلة من الزمن للتصدي وبناء مناعة ضد أي فيروس مستجد؛ هو أن اللقاح يحتاج -لضمان نجاحه- أن يتم اعطائه لمتبرع بشري للتمكن من دراسة وملاحظة تأثيره على جسم الإنسان لمدة كافية من الزمن قد تصل لسنة تقريباُ أو في بعض الحالات أكثر! أما إذا استطعنا أن ندخل الواقع الممتد في المعادلة، فقد نتمكن من تقليص هذه المدة والحد من المخاطر التي قد تنتج عن خلل معين في اللقاح قد يودي بحياة المتبرع!  غير أنه من الممكن أن يتم استخدام الواقع الممتد في تصنيع اللقاح والعلاج في فترة قياسية، من خلال الدمج بين المصانع والذكاء الاصطناعي.

 

كما هو الحال مع التقنيات التحويلية الأخرى ، مثل الذكاء الاصطناعي ، يتطلب الاستيعاب السريع للواقع الممتد تيقظاً سريعاً. حيث تتميز بيانات الواقع الممتد بخصوصية عميقة، مما يزيد من مخاوف الخصوصية والأمان المتزايدة ، في حين تقوم أدوات الواقع الممتد بإجراء اتصالات مباشرة مع قدراتنا العقلية و تصوراتنا للواقع التي لم يتم فهمها بالكامل بعد. إن الأخطاء التي تحدث في هذه التقنيات تخاطر بإلحاق الضرر بالأفراد والمجتمع والتي قد يصعب الشفاء منها.

 

لا شك أن هناك ضرورة ملحّة لإصلاح المخاطر المحتملة للواقع الممتد قبل وقوعها ومنذ البداية. نظراّ لأن الواقع الممتد ليس سائدًا بشكل كامل بعد ، فقد صممت شركات قليلة في الولايات المتحدة وأوروبا، تدابير مسؤولة لمنع العواقب السلبية المحتملة للتكنولوجيا أو على الأقل تخفيفها.

بعض المخاطر المحتملة للواقع الممتد (XR):

 

1- سرقة الشخصيات والإحتيال: . مع التطوير والتركيز على تقنيات مثل تقنية Deepfake في الفترة الأخيرة، يمكنك تبديل رأس أي شخص رقيماً بسهولة ووضعه على جسد شخص آخر وبتكلفة منخفضة. بالإضافة أن مشاريع مثل مشروع Project Cloak من شركة Adobe تسمح بإزالة الأشياء أو الأشخاص بشكل رقمي من مقاطع الفيديو. ويمكن أيضاً استنساخ الأصوات من عينات صوتية قصيرة جداً بواسطة Lyrebird أو Baidu's Deep Voice 3.

 

مع انتشار هذه التقنيات ، سيتمكن أي شخص من إنشاء فيديو مزيف ومقنع لممارسة التأثير السياسي أو لأغراض خبيثة أخرى. لا شك أننا ندرك مخاطر الأخبار المزيفة، في عالم يتم فيه استهلاك الأخبار من خلال مقالات وفيديوهات رائجة مجهولة المصدر أحياناً! فتخيل مدى سهولة التأثير على الآراء والسلوك بمعلومات خاطئة،  وخصوصاً حالياً وفي ظل الوباء العالمي؛ تخيل أن تقوم جهة معينة، والتي قد تمتلك أجندات سياسية أو أجندات اقتصادية معينة؛ أن تتمكن من استخدام التقنيات التي تحدثنا عنها سابقاً لتكوين شخصية كاملة مكونة من أصوات وأجزاء من شخصيات ونشر معلومات خاطئة عن الفيروس قد تكون مهلكة لشعوب كاملة ومميتة! فعلينا أن نكون حذرين.

 

2. الأمن الإلكتروني: تمامًا كما هو الحال مع الإنترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي التي سبقتها ، سيجذب الواقع الممتد الأشخاص السيئين الذين يتطلعون إلى استغلال نقاط الضعف لتحقيق مكاسب شخصية.

 

فكلما زاد اعتمادنا على تقنيات الواقع الممتد لأداء المهام اليومية الحرجة ، كلما أصبحنا أكثر عرضة للجهات الخبيثة. فالهجمات الخطيرة من أشخاص أو جهات سيئة وخبيثة في بيئة وسياق الواقع الممتد، يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة وقد تصل لخيارين ما بين الحياة أو الموت كما تحدثنا سابقاً في سياق وباء فيروس كورونا! لذا، تحتاج المنظمات إلى إنشاء خطط استجابة طوارئ متطورة وأشخاص لديهم الخبرة والقدرات على الاستجابة على الفور. 

 

3. الإدمان على التكنولوجيا: يمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على التكنولوجيا إلى الإضرار بصحتنا العقلية ورفاهيتنا بشكل كبير، كما نرى هذه الأيام من تأثيرات سلبية على الحالة العقلية والنفسية  للأشخاص بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. 

 

الخطر يكمن في أن الفجوة التي يحاول أن يلغيها الواقع الممتد (إذا لم نكبح فرامله)، هي الفجوة ما بين ما قد تكون عليه حياتك وما بين حياتك حالياً! لذا فإن حياتك قد تتسع بشكل كبير جداً وخارج عن السيطرة. لذا، يسعى علماء الأعصاب لاستكشاف كيف يمكن أن يؤثر التعرض الطويل للبيئات الافتراضية على الصحة العقلية والرفاهية الاجتماعية، بما في ذلك حالات مثل اضطراب انتحال الشخصية / تبدد الهوية واضطراب الهوية الانفصالية..

 

4. السلوك المعادي للمجتمع والانقسامات الاجتماعية: بالنسبة لمعظم الأشخاص ، من الصعب أن تكون فظّاً مع شخص على أرض الواقع ووجهاً لوجه، إلا أنه من السهل أن تكون فظّاً مع اسم مستخدم  عشوائي أو أي شخص خلف الشاشة من خلال الويب أو تطبيقات الهاتف الذكي. ولكن هل ينبغي أن تنخفض معاييرنا للسلوك المقبول والأخلاق الحميدة بناءً على الوجود المادي أو الإفتراضي؟
 

اليوم ، ينتشر السلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت مثل؛ التعليقات المستفزة والسيئة والانتقاد الفارغ والشتم والتنمر الإلكتروني وغيرها. تخيل سيناريو يتصاعد فيه الإعتداء الإلكتروني، لدرجة أن يتمكن السلوك المعادي للمجتمع أن يتسلل إلى السلوكيات في العالم الحقيقي ويؤثر عليها سلباً؟!

 

لمنع التأثيرات النفسية الجسيمة التي قد تنتج عن ذلك، يجب على منتجي ومصنعي ومطوري الواقع الممتد أن ينتبهوا لهذه الاحتمالات وأخذها بعين الاعتبار في مراحل بناء الواقع الممتد. ولا يزال يتعين علينا التعامل بفعالية مع النمو المتفشي للسلوك المعادي للمجتمع والتنمر عبر الإنترنت ، ناهيك عن الاستعداد للتأثيرات النفسية والسلوكية الأعمق التي قد تنتج عن الواقع الممتد. 

 

أما في ما يتعلق بالانقسامات الاجتماعية،  فكلما أمضينا المزيد من الوقت في عوالم افتراضية "مثالية" مصطنعة ، كلما قل الوقت الذي نقضيه في العالم الحقيقي! وهذا يجعل من السهل علينا الانفصال عن الأحداث والمسائل الواقعية، وتقليل مشاركة  الخبرات البشرية المشتركة والإحساس المشترك بالهدف لمعالجة تلك المشاكل.

 

يتم تصميم البيئات الافتراضية لأغراض محددة ، مثل التعليم أو الترفيه. ولا تتضمن تفاصيل إضافية عشوائية أو غير ذات صلة أو غير مرغوب فيها. فعندما يتم تصميم هذه البيئات لا يتم التطرق مثلاً لمشاكل اجتماعية وبيئية مثل التلوث والتشرد! حيث يمكن لبعض تطبيقات الواقع الممتد أن تركب الصور الرقمية للمناظر الجميلة خارج نافذة السيارة أو من ضمن الأنشطة الترفيهية لإلهاء الأطفال أثناء ركوب السيارة. لتعطي الوهم أن كل شيء على ما يرام، لكن هذا ليس صحيحاً! وهذا ليس الواقع الحقيقي!

 

لا شك أن المجتمعات الآن، تقوم بفحص كيف غيّر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الطريقة التي نتفاعل بها مع بعضنا البعض ومع العالم من حولنا. نحن بحاجة إلى فحص عميق لكيفية تصميم منتجات وبيئات الواقع الممتد. لذا، وفي نهاية المطاف ، يجب أن تدور المبادئ التوجيهية حول الكيفية التي يمكن من خلالها لهذه الأدوات أن تُثري تجربتنا الحية والحماية من الانقسام والضرر الاجتماعي.